آخر الأحداث والمستجدات
قراءة في التقرير السنوي لبنك المغرب برسم سنة 2024

يأتي التقرير "سنة المالية 2024" الذي رفعه والي بنك المغرب إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، طبقا للمادة 50 من القانون 40.17 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب، وهي السنة 66 لمعهد الإصدار.
وتشكلت هندسة التقرير من ثلاثة أجزاء، تتعلق بـ"الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية" (المحيط الدولي، والإنتاج والطلب، وسوق الشغل، والتضخم، والمالية العمومية، وميزان المدفوعات، والأوضاع النقدية، وأسواق الأصول، وتمويل الاقتصاد)، و"الحكامة وإنجاز مهام البنك" (الحكامة والاستراتيجية، ومهام البنك، والتواصل والتعاون، والموارد)، و"البيانات المالية للبنك" (الوضعية المالية لسنة 2024، والبيانات الموجزة وإيضاحات مرفقة، وتطور البيانات الموجزة على مدى خمس سنوات، والالتزامات تجاه الصناديق الاجتماعية، والتقرير العام لمراقب الحسابات، ومصادقة مجلس البنك). إضافة إلى ملحقات إحصائية.
وهكذا أبرز التقرير أن الاقتصاد المغربي لعام 2024، ورغم حالة اللايقين التي طبعت السياق الدولي وتوالي سنوات الجفاف، استطاع تحقيق تحسن نسبي، كما تدل على ذلك بعض المؤشرات الكمية الإيجابية، منها نسبة النمو الإجمالية التي قدرت بـ3,8%، و4,8% في القطاعات غير الفلاحية؛ وتراجع نسبة التضخم التي استقرت في متوسط 0,9%.
واعتبارا لتقلص الضغط التضخمي الذي أسهم في تعافي الاقتصاد الوطني، سارع بنك المغرب إلى تيسير السياسة النقدية للمغرب، من خلال خفض سعر الفائدة الرئيسي مرتين، ملبياً بذلك حاجة البنوك إلى السيولة.
أما بخصوص سوق الشغل، فقد تم إحداث 82 ألف منصب، وهو مستوى غير كاف بالنظر إلى ارتفاع مؤشرات البطالة، التي ناهزت 13,3%.
وحسب التقرير السنوي لبنك المغرب؛ فإن المالية العمومية ما فتئت تواصل تعزيز الميزانية؛ إذ تراجع العجز إلى 3,9 % من الناتج الداخلي الخام الإجمالي، نتيجة العائدات الضريبية ومداخيل آليات التمويل المبتكرة. أما بخصوص الحسابات الخارجية فبقي العجز التجاري في حدود 1,2% من الناتج الداخلي الإجمالي، بفضل دينامية صناعة السيارات ومبيعات الفوسفاط ومشتقاته، وتراجع فاتورة الطاقة، ومداخيل الأسفار وتحويلات مغاربة العالم، مما أفضى إلى تحسن الأصول الاحتياطية الرسمية لبنك المغرب، والتي بلغت أزيد من 375 مليار درهم (ما يعادل حوالي خمسة أشهر ونصف من الواردات).
وفيما يخص حصيلة ما تراكم من منجزات منذ بداية الألفية الحالية، فأشار التقرير إلى انخراط المملكة في أجرأة البرامج المهيكلة ذات الصلة بالإصلاحات المؤسساتية والسوسيو- اقتصادية، والمتماشية مع الاستراتيجية الاستثمارية الكبرى الهادفة إلى توفير البنيات التحتية، والتي أصبحت إطارا مرجعيا لدى المؤسسات الدولية، بفضل تحقيقها لتقدم ملحوظ في العديد من القطاعات. رغم ما شاب ذلك من تباطؤ في العُشَرية الأخيرة بسبب الصدمات واللايقين التي يخيم على المحيط الخارجي للمغرب، وهو أدى إلى تسجيل تباطؤ في وتيرة النمو في الاقتصاد المغربي وتراجع نسبة التشغيل.
ومن شأن الإصلاحات والأوراش الكبرى التي أطلقت مؤخرا، وتأهيل البنية التحتية أن تفضي إلى تجاوز هذه الوضعية، التي يدخل بعضها في الأمن المائي، والسيادة الطاقية الغذائية، علاوة إلى الفرص المكتسبة من احتضان المغرب لتظاهرات قارية ودولية كبرى، مما يوحي، وحسب التقرير السنوي، أن عام 2024 يشكل سنة تحقيق منعطفات في مسار تسريع النمو الاقتصادي وإحداث فرص الشغل، تكون عنوانا لخلق دينامية قوية.
ومن ثم أوصى التقرير بأن تركز السياسة العمومية على ثلاثة محاور كبرى:
أ- تعزيز القدرة على الصمود في وجه الصدمات، عبر حكامة ناجعة، وتقوية النسيج الإنتاجي، وقيام القطاع الخاص بدوره في الاستثمار والتشغيل.
ب- ترسيخ مرونة السياسة العمومية لتعزيز القدرة على التكيف والتفاعل مع السياقات الدولية، مما يتطلب تتبعا جيدا للتنفيذ وتقييما للنتائج والمخرجات.
ج- الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية لتوطيد الميزانية، من خلال مراجعة القانون التنظيمي للمالية، واعتماد قاعدة مالية، وتسريع وتيرة إصلاح أنظمة التقاعد.
وعبّر التقرير عن نفَس إيجابي إزاء هذا "الزخم الجديد" الذي تعكسه الأوراش الاقتصادية والاجتماعية والبنيات التحتية الكبرى، والذي يعززه الاستقرار والمصداقية التي يحظى بها المغرب، وهو ما تعكسه صورته الإيجابية وجاذبيته على الصعيد الدولي.
الدكتور الحاج ساسيوي
أستاذ التعليم العالي، متخصص في التاريخ المعاصر والر
اهن، والتخطيط الاستراتيجي.
الكاتب : | الدكتور الحاج ساسيوي |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2025-07-31 20:36:59 |